728X90

7:37 م

بحث حول أخلاقيات العلاقات العامة فى الإسلام



     من المعلوم  أن إدارة العلاقات العامة مهما اختلف شكلها التنظيمي من حيث الحجم والموقع والمكان في كافة الوزارات , أو المنظمات , أو المؤسسات , فإنها تشكل جزءًا من الهيكل التنظيمي لهذه الإدارات , وتضم حشدًا من الإمكانيات البشرية والمادية والفنية التي تستخدمها من أجل تنفيذ وظائف محددة, وتحقيق أهداف معينة. وهي بذلك تمثل نظامًا فرعيًا يرتبط بنظام أشمل هو المؤسسة , التي تمثل بدورها نظامًا يرتبط بالبيئة التي توجد فيها , وترتبط معها برباط تبادلي في التأثر والتأثير .


إن إدارة المؤسسة بصورة عامة , وإدارة العلاقات العامة بصورة خاصة لا تستطيع تحقيق أهدافها بمعزل عن تأثيرات البيئة السياسية , والاجتماعية , والاقتصادية , والثقافية , والقانونية , والتعليمية , والدينية , وأن هذه العوامل تؤثر سلبًا أو إيجابًا على العملية الإدارية بكليتها.

ومن بين هذه العوامل المؤثرة في وظيفة العلاقات العامة , العوامل الدينية ؛ حيث إن للدين أثرًا بالغًا في الإدارة , إذ يتضح ذلك في سلوك الأفراد العاملين فيها , ولعل دراسة النظم الإدارية عند قدماء المصريين توضح أثر الدين في الإدارة ؛ فقد كان للكهنة أهميةً كبرى عند الحكام ؛ إذ كانوا يطلبون مشورتهم وتوجيهاتهم وعونهم في أغلب شئون الحكم. ولم يكن بناء المقابر والأهرامات إلا شكلاً من أشكال ارتباط العقائد الدينية بالإدارة التي استخدمت تقسيم العمل, والتخطيط والتنظيم والتوجيه , والقيادة, والرقابة, والاتصال في إنجاز المهام التي فرضتها العقائد الدينية آنذاك.

ولما جاء الإسلام , وحددت مبادئه في القرآن الكريم والسنة النبوية, فقد كان الدين أكثر وضوحًا في التأثير في الإدارة. فكان التخصص وتقسيم العمل , والتخطيط, والتنظيم , والتوجيه , والقيادة , والرقابة , أوضح قانون في التنظيم الإداري الإسلامي.

وقد أسهمت الحضارة الإسلامية بدور بارز في تطوير العلاقات العامة بفضل حثها على الشورى في الكرم , والإنسانية في معاملة الناس. ويحوي الفكر الإسلامي منهجًا خاصًّا بإعلام متميز يستمد أصوله من القرآن الكريم, وسنة محمد (r)

 وفي مجال العلاقات العامة أولى الإسلام عنايةً فائقةً للاهتمام بظاهرة الرأي , وكشف عن المقومات الموضوعية للرأي العام , وحدد الوظائف المنوطة به.

وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن القرآن الكريم وحياة الرسول (r) أقوالاً وأفعالاً وتقريرات تطبيقًا لمفاهيم العلاقات العامة بمفهومها الحديث, وتعد هذه الفترة التي شهدت نشر الدعوة الإسلامية على يد النبي (r) فترة تاريخية لها دورها في تطور العلاقات العامة بما جاءت به من مبادئ ومثل ذات الطابع التوجيهي والإرشادي([1])

وهكذا يتضح أن الإسلام دين دعوة ؛ لأنه كلف جميع المسلمين بالمسئولية الإعلامية من أول رسولهم (r) , وجعل الوظيفة الإعلامية لا تقل في أهميتها عن أهمية الصلاة والزكاة وغيرها من الفرائض الإسلامية الأخرى. وكما قال الرسول (r) : "الدين النصيحة" , وما النصيحة ؛ إنها الإعلام الصادق الأمين([2]).

ولما كان المجتمع المصري محكومًا بأخلاقياته وقيمه وتقاليده التي توارثها الأفراد عبر آلاف السنين , فيعد الدين أهم الروافد التي تغذي الأفراد بهذه الأخلاقيات([3]).

ومعنى هذا أن الإسلام ليس هو القاصر على مثل هذه الأخلاقيات , بل إن باقي الأديان السماوية أكدت على ضرورة ارتباط الأخلاق بالدين , وهذا ما أكده الفيلسوف الألماني "فيخته" بأن الأخلاق من غير دين عبث , وكما قال الفيلسوف الهندي "غاندي" بأن مكارم الأخلاق والدين شيء واحد , لا يقبل الانفصال , ولا يفترق بعضهما عن بعض , فهما وحدة لا تتجزأ. إن الدين كالروح للأخلاق , والأخلاق كالجو للروح , وبعبارة أخرى : الدين يغذي الأخلاق وينميها وينعشها([4]).

وبالطبع فإن بعض علماء الشرق الأوسط يبرهنون بالبراهين القاطعة على أن تطور ممارسة العلاقات العامة في الثقافة العربية يمكن تتبعه إلى أكثر من 1200 عام مضت بالتأكيد إلى وقت سيدنا محمد (r) , الذي وضع وأَصّل أخلاقيات العلاقات العامة في سياق النظرية الأخلاقية الإسلامية([5]).

وقد حاولت إحدى الجامعات في الشرق الأوسط تقديم برنامج لتعليم العلاقات العامة , يتفق مع الطراز الغربي , ولكنها وجدت معارضةً بسبب اختلاف الثقافات والمعايير([6]).

ومن هنا فإن الأخلاق في الإسلام لها طابع يطبق كل جوانب الحياة والفكر , كما لها سلطانها وأثرها في السياسة والاقتصاد , والاجتماع , والتربية , والأدب , والقانون. وأخلاق الإسلام ليست "مثالية" , بمعنى أنها نظرية فوق التطبيق , فالأخلاق في الإسلام منهج علمي , وليست نظرية وهي تقوم على مبدأي الالتزام والجزاء الأخروي , وتستمد وجودها من حرية الإنسان, وإرادته في الاختيار, وتحمل المسئولية , فالفرد مسئول عن عمله , وقد ربط الإسلام بين مفهوم الأخلاق , وبين التطبيق العملي , ورسم للناس قواعد العمل الصالح الذي ينبغي أن يسيروا عليها , استمدادًا من القرآن والسنة([7]).

وبالتالي لقد عنى الإسلام بأهمية الأخلاق , ودورها في إتقان العمل وأدائه , ولقد تعددت 

معاني الخُلُق في الاصطلاح الشرعي, ومن تعاريفه الجامعة ما يلي:

•1.   أنه هيئة راسخة في النفس, تصدر عنها الأفعال الإرادية الاختيارية من حسنة وسيئة, وجميلة وقبيحة, وهذه الهيئة قابلة بطبعها لتأثير التربية الحسنة والسيئة فيها" ([8]).

•2.   ويعرفها الإمام الغزالي بقوله : "عبارة عن هيئة في النفس راسخة, عنها تصدر الأفعال بسهولة ويسر, من غير حاجة إلى فكر وروية" ([9]).

•3.  "هي مجموعة من المعاني والصفات المستقرة في النفس وفي ضوئها وميزاتها يحسن الفعل في نظر الإنسان أو يقبح, ومن ثمَّ يقدم عليه, أو يحجم عنه" ([10]).

•4.  كذلك يمكن تحديد مفهوم الأخلاق في نظر الإسلام, "بأنه عبارة عن مجموعة المبادئ والقواعد المنظمة للسلوك الإنساني, والتي يحددها الوحي لتنظيم حياة الإنسان, وتحديد علاقته بغيره على نحو يحقق الغاية من وجوده في هذا العالم على أكمل وجه" ([11]).

وقد تمثل اهتمام الإسلام بالخلق اشتمال القرآن والسنة علي تحديد عدد من الآيات والأحاديث التي ذكرت في مدح حسن الخُلُق, وأهمية الأخلاق ومدى اهتمام الإسلام به فمنها:

•1)   تعليل الرسالة بتقويم الأخلاق, وإشاعة مكارم الأخلاق, جاء في الحديث الشريف عن النبي     (r) أنه قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" ([12]).

•2)   جاء أناس إلى رسول الله (r)فقالوا:"من أحب عباد الله إلى الله تعالى؟ قال: "أحسنهم خلقًا" ([13]).

•3)   وسُئل رسول الله (r): "أي المؤمنين أكمل إيمانًا؟ قال: أحسنهم خلقًا"([14]).

•4)    وكان (r) يقول: "إن خياركم أحاسنكم أخلاقًا"([15]), وقال: "إن من أحبكم إليّ أحسنكم أخلاقًا" ([16]).

•5)   أن النبي (r) كان يدعو ربه بأن يحسن خلقه - وهو ذو الأخلاق الحسنة- وأن يهديه لأحسنها, فقد كان (r) يقول في دعائه: "اللهم حسنت خلقي, فحسن خُلُقي", ويقول: "اللهم اهدني لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت, واصرف عني سيئها, فإنه لا يصرف عني سيئها إلا أنت". ومعلوم أن رسول الله (r) لا يدعو إلا بما يحبه الله ويقربه منه.

•6)   مدح الله تعالى رسوله الكريم بحسن الخلق, فقد جاء في القرآن الكريم:} وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ {, والله تعالى لا يمدح رسوله إلا بالشيء العظيم, مما يدل على عظيم منزلة الأخلاق في الإسلام. ولا شك أن كثرة الآيات في موضوع الأخلاق يدل على أهميتها, ومما يزيد في هذه الأهمية أن هذه الآيات منها ما نزل في مكة قبل الهجرة, ومنها ما نزل في المدينة بعد الهجرة, مما يدل على أن الأخلاق أمر مهم جدًّا لا يستغني عنه المسلم, وأن مراعاة الأخلاق تلزم المسلم في جميع أحواله وشئونه.

•7)   كذلك فإن من خصائص نظام الأخلاق في الإسلام الشمول, ونعني به أن دائرة الأخلاق الإسلامية واسعة جدًّا, فهي تشمل جميع أفعال الإنسان الخاصة بنفسه, أو المتعلقة بغيره سواء كان الغير فردًا أو جماعةً أو دولةً, فلا يخرج شيء عن دائرة الأخلاق, ولزوم مراعاة معاني الأخلاق, مما لا نجد لـه  نظيرًا في أية شريعة سماوية سابقة, ولا في أية شريعة وضعية.

ونذكر هنا على سبيل التمثيل فقط مدى مراعاة الأخلاق في علاقات الدولة الإسلامية مع غيرها من الدول ليتبين لنا مدى حرص الإسلام على التمسك بمعاني الأخلاق.. ووجه اختيارنا هذه العلاقات هو ما شاع بين الناس, ويؤيده الواقع, إن العلاقات بين الدول لا تقوم على أساس مراعاة الأخلاق حتى إن أحدهم قال: "لا مكان للأخلاق في العلاقات الدولية. ولهذا كان الخداع والتضليل والغدر والكذب من البراعة في السياسة" ([17]).

إن الإسلام يرفض هذا النظر السقيم , ويعتبر ما هو قبيح في علاقات الأفراد قبيحًا أيضًا في علاقات الدول , ويعتبر ما هو مطلوب وجميل في علاقات الأفراد , مطلوبًا وجميلاً أيضًا في علاقات الدول , ولهذا كان من المقرر في شرع الإسلام أن على الدولة الإسلامية أن تلتزم بمعاني الأخلاق , وهذا التقرير موجود في القرآن الكريم وفي السنة النبوية المطهرة , وفي أقوال الحكماء([18]).

ومن هنا يرى الباحث أن ممارسة عمل العلاقات العامة في جميع مجالاتها يتحتم عليها الالتزام بالمعايير الأخلاقية الثابتة, وأن تلتزم المؤسسات بالالتزامات الدينية الأخلاقية. ويُستنتج أن المعايير والضوابط الإسلامية لها دور مهم في إرساء قواعد أخلاقيات الممارسة المهنية للعلاقات العامة.

•8)     ومن نظام الأخلاق في الإسلام أن الالتزام بمقتضى الأخلاق مطلوب في الوسائل والغايات: فلا يجوز الوصول إلى الغاية الشريفة بالوسيلة الخسيسة, ولهذا لا مكان في مفاهيم الأخلاق الإسلامية للمبدأ الخبيث (الغاية تبرر الوسيلة), وهو مبدأ انحدر إلينا من ديار الكفر, يدل على ذلك, أي على ضرورة مشروعية الوسيلة ومراعاة معاني الأخلاق فيها قوله تعالى: }  وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ { ([19]).؛ فهذه الآية توجب على المسلمين نصرة إخوانهم المظلومين قيامًا بحق الأخوة في الدين, ولكن إذا كانت نصرتهم تستلزم نقض العهد مع الكفار الظالمين لم تجز النصرة؛ لأن وسيلتها الخيانة ونقض العهد, والإسلام يمقت الخيانة, ويكره الخائنين([20]). وهذا ما أكد عليه محمد محمد البادي بقوله بأن فكر الإدارة يحتاج إلى قدر كبير من المرونة في المنظمات المعاصرة, وتطعيمه ببعض الأفكار, والتي من بينها إحلال مبدأ الوسيلة لا تقل أهمية عن الغاية بدلاً من مبدأ الغاية تبرر الوسيلة([21]).

ويرى الباحث أيضًا أن (الغاية لا تبرر الوسيلة): شعار يجب أن تضعه مهنة العلاقات العامة خاصةً, وباقي المهن بشكل عام نصب أعينها, وتعيد صياغة وسائلها وأهدافها تحت النظام الأخلاقي في الأديان والنظام الإسلامي بشكل خاص؛ حتى يتم العمل في شكل إيجابي سليم.

وبهذا المعنى, فإن الأخلاق في نظر الإسلام هي النظام الذي يحدد سلوك الإنسان في الكون بما يتفق وتحقيق رسالته التي خلق من أجلها, فهو خليفة الله في الأرض, وعليه أن يتخلق بصفات الله سعيًا نحو كماله الذاتي الإنساني, ولما كانت البنية الأولى للفعل تتكون من ضمير الفاعل, فإن غاية الفعل (السلوك) تحمل مضمون القيمة الخلقية([22]).


وخلاصة القول, فإن أخلاقيات الوظيفة العامة - ومن بينها العلاقات العامة- من وجهة نظر إسلامية عبارة عن: "مجموعة من المبادئ والقواعد النابعة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة, والتي تشكل معيارًا للسلوك الفردي سواء في التنظيم الإداري , أم الاجتماعي , كما هو الحال مندوب واجب الإتباع , أو حرام مكروه واجب الابتعاد عنه, فضلاً عما تمليه متطلبات كل وظيفة من شروط أخلاقية أخرى لا تتعارض مع هذه القواعد والمعايير" ([23]).

المصدر والمراجع :
http://www.alnoor.se/article.asp?id=22858