728X90

3:44 ص

تأثير الإعلام على صورتنا الذهنية ( IMAGE)

 



نسمع كل يوم مصطلحات متنوعة تحمل تصوراً حول قضية ما .. هذه المصطلحات نفهمها أحياناً بمعناها العام دون تعمق، وهذا ما كان يثير اهتمامي في مصطلح ( الصورة الذهنية) أو ما يطلق عليها البعض ( IMAGE) والتي تعني الصورة لكنها أصبحت تميل إلى التصور الذهني والانطباع الذي يكون لدى الأشخاص تجاه أي موضوع .. فكانت أحيانا تغيب عن أذهان الكثير من المسئولين ولا يرون لها أية أهمية بل وبعضهم لم يسمع بها من قبل، والأعظم من ذلك من يراها حجة تتكسب بها وكالات الدعاية والإعلان ” على الرغم من قدرة تنفيذ برامج الصورة الذهنية عبر العلاقات العامة وبتواصل مباشر مع الوسائل الإعلانية” ، ولا أنكر أن بعض وكالات الإعلان بمسوقيها ( ذوي العيون الزرق) تحاول أن تؤثر على الآخرين باستخدام الأسلوب الساحر : لك خيي هيدا الإمج بتاع شركتك .


وكانت الصورة الذهنية في السابق مرتبطة ببرامج العلاقات العامة بشكل كبير، ومع ظهور الاتصالات التسويقية المتكاملة تغير هذا المفهوم وأصبح يرتبط بالاتصال التسويقي الذي جمع عدة أدوات من ضمنها ( الصورة الذهنية) والتي أصبحت تشكل مجموعة تسويقية متكاملة لا غنى لجزء عن الآخر، وهذه الصورة يمكن أن تتكون عبر طرق مختلفة يعد من أبرزها ( الإعلام) وسأتناول في هذه التدوينة تأثير الإعلام ( التقليدي ) على الصورة الذهنية ، على أن أتناول بعض الأمثلة الواقعية لتأثير الإعلام الرقمي على الصورة الذهنية في تدوينة قادمة.

مفهوم الصورة الذهنية:
تعني الصورة الذهنية الانطباع الذي يخلد في الذهن ، وهو تصور عقلي نحو شخص أو شيء معين ، وهذا الانطباع الذهني يحصر جميع الخبرات عن تلك الأشياء في عبارات محددة وتصور سريع يمر في الذهن ( فلاش) أثناء سماع ذلك الاسم أو رؤية ما يمثله من صورة أو منتجات ، مثل التصور الذهني عن: الخطوط السعودية مثلا ! فسوف يختزل الذهن كافة التصورات والمواقف التي عشتها مع الخطوط ويحللها بشكل سريع ويضعها في عبارات محددة مثل : سيئة .. رديئة .. وغيرها من التصورات التي تأتي متراكمة تجاه موضوع محدد.

هذا المصطلح جاء من Image التي تتصل بالفعل Imttari والتي تحكي المحاكاة أو المماثلة، والتي أطلقها والتر ليبمان في أوائل القرن العشرين، وبدأت بالانتشار سريعاً وتبنته الكثير من الشركات نظراً لأن الصورة الذهنية تعطي انطباعات مختلفة نحو المتلقي مما يؤثر على قراراته في الشراء من عدمها ، وتكمن خطورة هذه الصورة وأهميتها في كون الجمهور الذي تكون لديه صورة ذهنية سيئة تجاه منتج فلن يتم اقتناؤه لو أعلنت الشركة عشرين مرة ! .. إلا إذا تم تغيير سياسات الإعلان وطريقته وفق دراسة محددة في أسباب تكون الصورة الذهنية لدى الجمهور .. إما من جودة المنتج فيتم تغيير تركيبته وصناعته .. أو في اسم المنتج وطريقة تسويقه ، فيتم وضع خطة تسويقية جديدة لو تطلب الأمر إعادة تسميته وإطلاقه باسم وشكل جديد .

تكوين الصورة الذهنية:
لا يمكن أن تتكون صورة ذهنية من العدم، بل هناك أسباباً ودوافع تقوم بتكوينها ، ومن أبرز أدوات تكوين الصورة الذهنية:

1- الخبرة المباشرة: وهي تعني الاحتكاك اليومي والتعرض للمنتجات أو الرسائل التي تقدمها المنظمات مما يولد الانطباعات تجاهها سلبية كانت أم إيجابية، وهي تعد أقوى تأثيراً في تكوين الصورة الذهنية إذ أنها نابعة من الفرد نفسه وهو يثق في قراراته واختياراته.

2- الخبرة غير المباشرة: وهي الرسائل الشخصية التي يسمعها من الأفراد ووسائل الإعلام وغيرها من الأمور التي لا يمارسها بشكل مباشر، فقد يتكون لديه انطباع عن شركات صناعية لأن وسائل الإعلام تتحدث عنها أو بناء على تجربة الأفراد ( ومثال ذلك السيارات، فتتكون لدى مشتري السيارة صور ذهنية متنوعة عن السيارات ، شفروليه مثلاً سيئة، الألمانية غالية ووكيلها سيئ ، اليابانية اقتصادية، الأمريكية مريحة … )

ولهذا يتكون لدينا تعريفا واضحاً للصورة الذهنية كما يذكرها هولستى فيعرف الصورة الذهنية بأنها : مجموعة من المعارف والأفكار و المعتقدات التي يكونها الفرد في الماضي و الحاضر و المستقبل ويحتفظ بها و فق نظام معين عن ذاته و العالم الذي يعيش فيه ويقوم الفرد بترتيب هذه المعرف و المعتقدات و يحتفظ بأهم خصائصها وابرز معالمها لاستحضارها عند الحاجة ، كما يتدخل في تكوين هذه الصورة الخبرات السابقة المباشرة وغير المباشرة التي يتعرض لها الفرد .

وهناك عدد كبير من مكونات الصورة الذهنية التي تعطي الانطباعات لدى الجمهور مثل:
اسم المنظمة ( ابل ، سابك، موبايلي )
شعارها ( بيبسي، كوكاكولا)
موظفيها وقادتها ( ستيف جوبز، بيل قيتس، خالد الكاف، محمد العبار )
الخدمات التي تقدمها وفلسفتها وقراراتها
تاريخها وإنجازاتها ( كلما كان التاريخ أقدم كلما كانت الصورة الذهنية أقوى)
موظفيها، موقعها ( برج الفيصلية أو المملكة ، السليمانية، البطحاء )
سياراتها ( أي زائر ممكن أن يطل على مواقف السيارات وتتكون لديه صورة ذهنية عن ثراء الموظفين أو حبهم للرفاهية ونحوها )
خدمتها للمجتمع ومساهمتها في الحياة ( مثل جهود البيك، والتي لا نجدها مثلاً في :  نادك، كنتاكي )
وغيرها الكثير من الأدوات التي تساعد في إعطاء صورة ذهنية عن المنظمات، والتي يمكن أن تختبرها عند زيارتك لأول مرة لمكتب صديق أو جهة ما ، فتلتقط عينك اللوحات ومدى الاهتمام بها، نظافة المكان، الموظفين ( مهتمين بهندامهم ، يغلب عليهم الالتزام، متحركين ، أجسامهم رشيقة … ) المكاتب وشكلها ( مودرن .. أو كلاسيكية ) ، التعامل .. طريقة الحديث وغيرها من الجزئيات التي تكون صورة ذهنية عن تلك الجهة أو حتى الأشخاص ! ( اهتماماته، صورته الشخصية وأوضاعه، طريقة حديثه، نوعية الماركات التي يستخدمها … ).

أجزاء الصورة الذهنية:
تسعى الإدارات القائمة بالجانب الاتصالي للمنظمات بعمل برامج للصورة الذهنية تتناول جزئية من الأجزاء التالية:

1- بناء صورة ذهنية من الصفر : أي أن يكون منتجاً جديداً أو شركة تعمل في السوق أنشئت حديثاً.
2- تعديل أو تعزيز صورة ذهنية لدى الجمهور : وهي ما تستخدمها كثير من الشركات مثل كوكا كولا وبيبسي في إعلاناتها .. الجمهور يعرف هذه المنتجات لكن هدف الإعلان تعزيز علاقته بالجمهور وإيصال رسائل متنوعة له ( مثل إعلانات كوكا كولا التي تدعو للبهجة والسرور ) .
3- تصحيح صورة ذهنية سلبية: وهي من أصعب مراحل تكوين الصورة الذهنية، وهي تغيير قناعات الآخرين تجاه منتج أو منظمة، مثل: السيارات الصينية ، أو شركة الاتصالات السعودية ! ، معمر القذافي !! ، وغيرها من الشركات أو المنتجات التي كونت صورة ذهنية سيئة لدى الجمهور ويتطلب الأمر إعادة تصحيحها ، وغالباً لا تؤتي أكلها بالشكل المطلوب، ربما تخفف من الآثار المترتبة ، وقد ينحصر تأثيرها في الأجيال القادمة.

الصورة الذهنية والإعلام:
تستخدم الكثير من المنظمات استراتيجيات عديدة لتحسين الصورة وذلك في تعاطيها الإعلامي، مثل انتهاج أسلوب التكذيب للأخبار سواء من حدوثها أصلاً أو بتوجيه اللوم إلى أطراف خارجية، وكذلك سياسة التهرب من المسؤولية، أو تخفيض حدة الهجوم عليها ( كما تتخذها الخطوط السعودية الآن في حملاتها، أو من خلال شركة الاتصالات السعودية وضغطها على وسائل الإعلام بمنع نشر الأخبار المسيئة لها مقابل استمرار الإعلان في صفحاتها بعشرات الملايين ) ، وتتجه بعض الجهات إلى استخدام أسلوب التصحيح في حال وجود أي خطأ ، والاعتراف بالذنب ( مثل شركة ارلا التي أقرت بخطأ الرسوم الدنماركية ) وأحياناً تستخدم سياسة الصمت والتي قد توصل رسائل بعدم أهمية الموضوع أو إعطائه أهمية ( مثل تجنب المملكة الرد على كل الوسائل الإعلامية التي تنشر أخباراً مكذوبة .. وتكتفي بالرد على الجهات الرسمية أو الوسائل الإعلامية الكبرى ) .

وتستخدم الكثير من الجهات أساليب مختلفة للتأثير الإعلامي ومحاولة تحسين الصورة عبر وسائل مختلفة، فبعضها يعين متحدث رسمي لها مما يعزز الصورة الذهنية لدى الجهة أو يضعفها! مثل منصور التركي المتحدث الرسمي لوزارة الداخلية ، فقد ساهم في رفع أسهم الوزارة في الإعلام والانفتاح على الوسائل الإعلامية أكثر من السابق، إذ كانت تتهم بالتحفظ مما سبب في انتشار الشائعات والافتراءات التي تم دحضها عبر المتحدث الرسمي ، وفي المقابل نجد تجربة وزارة التربية والتعليم في إيجاد وظيفة المتحدث الرسمي وهو أ. محمد الدخيني والتي أوصلت رسائل متنوعة منها : الاهتمام بالخلفية الدينية وذلك للتأثير على الآخرين كونه مذيعاً سابقاً في قناة المجد، ولكن في المقابل قد تكون هذه المهمة مسيئة لشخصية المتحدث ! ويعطي انطباعاً سيئاً عنه عندما ينقل الأخبار السيئة للجمهور ، ولنا في محمود الصحاف خير دليل ، إذ أصبح يوصم بالكذب والافتراء نظراً لأنه الوجه الإعلامي الذي يقابل الجمهور محاولاً تحسين الصورة للنظام العراقي، وساهم في تخفيف الضغط عن صدام حسين وقتها.

ويبرز أكبر مثال على خطورة وتأثير الحملات الإعلامية  لبناء الصورة الذهنية كانت في 11 سبتمبر عندما استثمرت وسائل الإعلام الأمريكية هذا الحدث لنشر أفكار وأخبار لتغيير أيديولوجيات الكثير من المجتمع الأمريكي، وذلك بربطها في تنظيم القاعدة وبقائدها السعودي أسامة بن لادن  ( مع أن جنسيته سحبت منذ وقت طويل ! ) وربطت بالإسلام والسعودية محضن الإسلام فهم أهل الإرهاب، ونصف مختطفي الطائرات المزعومة من الجنسية السعودية … وغيرها من الرسائل التي قامت بنشرها وسائل الإعلام الأمريكية على مدار ساعات طويلة ، مما أدت إلى رسم صورة ذهنية سيئة عن المملكة والإسلام بشكل عام، وقد استغلت تلك الوسائل ضعف الصورة الذهنية عن المملكة والتي كانت في السابق تعني لدى الأمريكيين ( بترول، صحراء، بدو ، ثراء فاحش… ) .

وهذه الأمثلة السابقة تؤكد الدور الكبير لوسائل الإعلام في صناعة التأثير على الجمهور ( وهذا مؤكد ومعروف) ولكن التأثير لم يعد مقصوراً على إيصال الإعلان وترغيبه للجمهور، بل وصل إلى تكوين الرؤى والتصورات حول مختلف القضايا بمجرد متابعتنا لوسائل الإعلام، فهناك صورة ذهنية مرسخة في وسائل الإعلام المحلية العربية تجاه الأنظمة التي تحكمها ساهمت في رسم صورة ذهنية على مدى طويل حول شخصية القيادة وحرصها على مصالح تلك البلاد، لكنها تدهورت وتكسرت في ظل أسابيع قليلة .. وهذا يؤكد على أهمية المحافظة على الصورة الذهنية وعدم الاكتفاء بالنجاحات والمكانة التي وصلت لها، بل المتابعة الدائمة تسهم في تعزيز الصورة الذهنية لدى الجمهور المستهدف ومواكبة الأحداث والتطورات التي قد تسحب البساط في أية لحظة.

وفي المقابل .. تظهر لنا وسائل الإعلام ” عجزها” في تغيير الكثير من القناعات تجاه منتجات معينة أو أشخاص معينين، رغم المبالغ الكثيرة التي يتم صرفها في ذلك ، فمثلاً هناك مشروعات لتحسين الصورة الذهنية عن المجتمع السعودي بإقامة لقاءات فكرية وثقافية في دول عالمية ويدفع فيها ملايين الريالات .. وفي المقابل يتعامل سائق باص مع ركاب سياحيين بطريقة سيئة تجعل أكثر من 15 شخص يكون صورة ذهنية عن المجتمع السعودي ! .. نحاول تحسين صورتنا الذهنية في الخارج ونحن نتعامل مع الأجانب ومع من حولنا بأسلوب سيئ .. ومثال هذا ما نشاهده في القنوات الفضائية من تسويق لقضاء الصيف في دول معينة .. فنجد صديقاً يكذبهم بسبب تجربة سيئة حدثت له ! .. وهنا يظهر التفاوت بين وسائل الإعلام والعلاقات الاجتماعية ، مما جعل الكثير من الشركات تحاول استثمار ذلك بتسويق منتجاتها عن طريق العلاقات الشخصية والصداقات .

ومن أكبر الدلائل على الحملات الإعلانية لتحسين الصورة الذهنية ما تنفقه شركة الاتصالات السعودية لتحسين سمعتها في المجتمع السعودي، فلم تكفي الإعلانات المنتشرة في تغيير هذه الصورة والتي ازدادت سوءاً مع مشكلات الفواتير منذ قرابة السنة ، ورغم محاولة الاتصالات ” ترضية” الجمهور بشهر مجاني للرسائل مثلا .. استغلها الجمهور للسخرية بالشركة ! بإرسال رسائل فارغة من باب ” زيادة خسائر الشركة” ، مع أن المفترض أن يكون هناك شعور بالامتنان .. أو على الأقل أن تخف حدة الغضب .. وهنا يأتي التمكن من صناعة التأثير المناسب للجمهور.

وهنا .. يظهر الدور الجديد التي تحاول أن تكسبه الشبكات الاجتماعية ( تويتر ، فيس بوك ) من خلال استثمار الكثير من الشركات لهذه البوابات الاجتماعية في تحسين صورتها الاجتماعية ، وسأفرد لهذا الموضوع تدوينة كاملة تظهر تجربة كبرى الشركات في المملكة .. فترقبوني قريباً .

المصدر 
http://akhuraif.com/blog/?p=863