728X90

1:14 ص

شبكات الأعمال .. أنماط العمل في عالم متغير



ظهرت طريقة إدارة المشاريع عبر الإستعانة بشبكات الأعمال كبديل عملي لتعقيدات البيئة العملية التي أصبحت تميز العديد من المشاريع المتوسطة الحجم و الكبيرة في عالم أعمال أصبح يتسم

أكثر و أكثر مع مرور الأيام بالتنافس الشديد و التداخل الواضح بين مجالاته و زوال الحدود بين الدول و إرتكاز الأعمال و المشاريع على المصالح المشتركة بين الأطراف، إضافة لإمضحلال السوق بمفهومه الضيق المحلي و تحوله إلى مساحة متاحة للجميع بفعل العولمة و سياسة السوق العالمية المنفتحه.
في السعودية نشهد و بفعل الطفرة الإقتصادية الكبيرة التي تعيشها نتيجة إرتفاع أسعار البترول حالة من إعادة خلق تنموي يعمل على الأخذ بالبلاد إلى القرن الواحد و العشرين وفق أرقى الأسس العلمية و الإدارية و التنموية و البشرية، بحيث تعمل على نقل الفرد السعودي من ماضيه المحلي المستكين إلى مستقبله المفعم عمل و جدية و تطور في جميع المجالات الفكرية و المهنية و الإجتماعية، و هو الأمر الذي دعى الدولة إلى خلق العديد من المشاريع العملاقة التي تركز على تحديث البنى التحتية لمستقبل الأجيال، فبدأت مشاريع الطرق التي تربط بين المدن إما من خلال مد الطرق السريعة التقليدية أو من خلال مشاريع القطارات و الأنفاق و المطارات المحلية و الإقليمية الدولية الممتدة في سائر المدن السعودية.
ومع الإنفتاح الكبير في وسائل الإعلام و خلق آليات شفافة في رقابة العمل الحكومي كان لزاما على القائمين على المشاريع الحكومية و الخاصة و المرتبطة تحديدا بالفرد السعودي و خدمته أن يؤخذ جانب الجودة و سرعة التنفيذ و السعر المناسب الأهمية القصوى في المزيج العملي و الإنتاجي، فبدأت تلك الجهات تنظر إلى أفضل الطرق و أسرع الوسائل و أجودها و الجهات القادرة على التسليم وفقها ضمن الشروط الفنية المطلوبة و التي تضع في عين الإعتبار توازن المكونات الثلاثة الرئيسة (الجودة و السعر و وقت التسليم).
إدارة المشاريع تعرف بأنها نمط العمل الذي من خلاله يتم تنظيم الموارد البشرية و الفنية و إدارتها وفق الأسس التي من خلالها يتم إنجاز المشروع و الإلتزام بالمضامين المحددة سلفا واضعة في عين الإعتبار كما أوضحنا توازن المكونات الثلاثة سالفة الذكر، و عليه فإدارة المشروع مرتبطة أساس بوقت محدد أي له تاريخ بداية و تاريخ نهاية من أجل تقديم خدمة معينة أو منتج ملموس بهدف إحداث تغيير محدد أو تقديم قيمة مضافة.
ومن التعريفات المتداولة في إدارة المشاريع ما قاله (هيرسون) من أن المشروع هو” أي سلسلة من الانشطة أو المهام التي لها أهداف محدده يجب أن تنجز ضمن مواصفات محدده ولها بداية ونهاية محددتان وله تمويل وتستعمل مصادر مختلفة من الاموال و الوقت و المعدات و الأعمال”.
كما عرفه (ليش وتيرز) بأنه ” وحدة استثمار صناعي جديدة لها بعض المعالم المميزة أو المتفردة وذلك من خلال تناغم الوقت والتكلفة”
و من المعروف أن المشروع يمر بدورة تسمى “دورة حياة المشروع” تتضمن خمسة مراحل أساسية هي مرحلة التأسيس و وضع الإطار النظري العام للمشروع ثم مرحلة التخطيط الذي تضع في عين الإعتبار جميع المتطلبات البشرية و الفنية و التشغليلة و المالية المتعلقة بتنفيذ المشروع ثم مرحلة التنفيذ التي تتحول فيها جميع الخطط و الدراسات إلى واقع ملموس يمكن قياس و مراقبة قيمته المضافة ثم مرحلة المراقبة و التحكم لضمان إلتزام المخرجات بما تم تحديدها في مرحلة التخطيط و وفق الأسس التي وضعت و أخيرا مرحلة إنتهاء المشروع و تسليمه للعميل بالشكل المناسب و وفق الجودة و السعر و الوقت المحدد و المتفق عليه.
و ضمن هذه العملية المعقدة و المتناسقة تمر مرحل الأعمال بعلاقتين محتملتين الحدوث الأول المتعلقة بالأعمال التي تسبق العمل الآخر و الثانية هي الأعمال التي يجب أن تتبع العمل الآخر مباشرة، أى أن هناك علاقة سابقة و علاقة لاحقة بين الأعمال و التي من المفترض أن تتم بشكل متوازن، لذا من الواجب أن يكون هناك هيكله واضحة للمشروع و جدولة لأعماله و نشطاته الفردية و الجماعية، بحيث يتم تقسيم العمل وفق المتاح على أن يتم أثناء سير المشروع إجراء التعديلات اللازمة التي تحتمها الظروف التي تطرأ و لها تأثير على مسار العمل بحيث يتم التمكن من الإستمرار بالعمل بالشكل الصحيح محققا الأهداف المحددة له في المشروع.
إذا و بناء على هذا التفصيل الخاص بالأسس التي تنبى عليها المشاريع يتضح لدينا أن المجهودات المتعلقة بإنجاز العمل تتطلب العديد من المصادر الفنية و البشرية و التشغيلة التي تتوزع في تخصصات مهنية عديدة منها المرتبط بالتنفيذ المكيانيكي و منها المعني بالجانب الإداري و منها المتركز على الأعمال الفنية و الإستشارية، و هي مكونات يصعب تواجدها تحت مظله مؤسساتية واحدة بإستثناء الشركات العملاقة و التي غالبا ما ينحصر عملها في مشاريع معينة مستمرة كما نجده في المؤسسات الرائدة في مجال النفط أو البناء الدولية.
إلا أن الأغلبية العظمى من تلك المؤسسات و غيرها من الشركات الكبيرة و المتوسطة و الصغيرة و التي تعمل في مجال خدمة العملاء و المشاريع تعتمد بتفاوت على مصادر خارجية تعينها لتساعدها في جوانب معينة على أداء أعمالها المناطه بشكل يتناسب مع المواصفات و المقاييس المطلوبة من قبل العميل، و ذلك بهدف تقليل التكاليف و ضمان التخصص و بالتالي إجادة المخرج و بسرعة تنفيذ و تسليم تتطابق مع الجداول المحددة.
لذلك نجد أن مصطلح “شبكات الأعمال” ظهر ليشرح بشكل واضح الآلية التي تم إبتكارها لتحقيق ذلك التكامل المطلوب في خلق طواقم من الكوادر البشرية و التشغيلية و الفنية التي تعمل مع بعضها لإنجاز المشروع، معتمدة أساسا على قوة كل طرف و تخصصه، و بالتالي إعتباره ترسانة حقيقية لأصحاب الأعمال و متعهدي المشاريع يستعينون بها من أجل تحقيق أهدافهم التجارية و الربحية المنشودة.
و عليه فإنه يمكن تعريف نمط ( شبكات الأعمال) بأنها “العملية التي تنفذ فيها المشاريع عبر تبادل الموارد و الخبرات بين أكثر من طرف و ذلك بهدف تحقيق منفعه مشتركة”.
و للتأكد من جدوى الخروج من تلك الشبكات فإنه من المهم أن يحرص أطراف الشبكة في مرحلة تأسيسهم لشبكة أعمالهم على ترك إنطباع جيد تجاه الآخر و منذ الوهلة الأولى، فالإنطباع الأول دائما ما يكون الأهم و اللقاء الوجاهي الأول دائما ما يكون هو الأساس الذي من خلاله تبنى العلاقة المستقبلية بين الأطراف و تؤسس الثقة، كما أن التفاعل و التفاهم و محاولة إكتشاف قوة و ضعف الطرف المقابل تعد أساسية في تلك المرحلة مع الحرص على الإبتعاد قدر المستطاع عن الحديث عن النفس بزهو و إفتخار مبالغ و بعيد عن صلب التخصص، فذلك غالبا ما يخلق شعورا لدى الطرف الآخر بالفوقية المقيتة التي يصعب التعاطي معها في مجال العمل و الأعمال.
هذه الأسس الشخصية و المهنية تعد أساسية في بناء العلاقات و الشبكات و ذلك كونها النواة التي من خلالها يستطيع صاحب الأعمال أن يبني ترسانته من العلاقات المهنية و الشراكات الفنية و التحالفات التخصصية و المورديون المتعاونون، فخلق شبكة أعمال متوازنة و متكاملة تعتمد على مكونات متوافقة و مكملة لبعضها و متناغمة في مسار تحقيق الأهداف المشتركة.
و لاشك في أن الميزة التنافسية أصبحت اليوم أهم ما ينظر إليها صاحب المشروع نظرا لإتساع السوق و تنوع العرض و تزايده، لذلك فإن الشركة التي تسعى للدخول كمنافس قوي في المشاريع يجب أن يكون لديها قيمة تنافسية تمكنها من الوقوف أمام الشركات الأخرى بشكل يجعل صاحب العمل يشعر بتمكن الشركة من تقديم المطلوب و قدرته على الإنجاز متجاوزا سقف التوقعات ،وهو تماما ما يوفره نمط العمل بشبكات الأعمال و التي تعمل وفق هذا النمط و التي تتميز بقدرتها على تغيير طريقة أدائها و عملها و الذي في الغالب يعتمد على محدودية الإمكانيات إلى نمط يتسم بالديناميكية و المرونه، حيث تتعاون الشركات التي تكون مع بعضها تلك الشبكة لكسب رؤى أعمق للمتطلبات و قدرة و سرعة أكبر للإستجابة لها، حيث تستطيع أن تخلق سلسلة متينة من القدرة الإمتدادية و الكفاءة، و بالتالي تحقيق النمو المنشود و خلق ميزة نافسية واضحة.
هناك العديد من أشكال و أنواع شبكات الأعمال و التي قد تستعين بها الشركات للإستفادة من مزيجها و ذلك حسب الحاجة و حسب طبيعة المشروع و حسب السوق أو المجال الذي تعمل به.
فمن أكثر الأشكال إستخداما في هذا المجال ما يمكن تسميته بـ(نمط التعاون) حيث نجد شركة تتفق مع شركة أخرى تعمل في مجال مرتبط بمجالها و لكنها تتخصص في جانب فرعي منه بحيث تقوم الشركة بالتعاقد مع تلك الشركة المتخصصة بتوفير الدعم التقني و الفني في ذلك المجال المتخصص و بأسعار تنافسية خاصة بها لا توفرها للغير،و ذلك بمقابل تميزها بالأولوية أو الحصرية في تنفيذ جميع أعمالها في ذلك التخصص و لمدة معينة أو في سوق معين أو في قطاع معين.
و غالبا ما يستمر هذا النوع من التعاون لسنوات نظرا للمصلحة المشتركة بين الطرفين و للتفاهم الذي تخلقه الظروف و التعاون المثمر بينهم، و هو الأمر الذي قد يجعل بعض الشركات و مع مرور الوقت تسعى للإستحواذ على تلك الشركة المتخصصة في حال تبين لها أنها أصبحت جزء لا يتجزأ من التركيبة التشغيلية و أن ضمها تحت غطائها يوفر لها ميزة تنافسية أكبر.
كما أن هناك نمط يمكن تسميته بـ”التحالف” و هو النمط الذي يتم عبر الإتفاق بين طرفين على تقديم عرض مشترك بين الطرفين للحصول على مشروع معين، وهو على خلاف نمط “التعاون” يكون عبر بروز هوية الشركتين بإعتبارهم مستقلتين أمام صاحب العمل و لكنهم متحالفتين في تقديم العرض المالي و التنفيذي بهدف تحقيق الهدف المحدد من قبله.
في الغالب ما تكون الشركتين المتحالفين متساويتين في الحجم أو بالإمكانيات، و يعد تحالفهم هذا ميزة تنافسية على إعتبار القيمة المضافة التي يقدمانها مع بعضهما نتيجة قوتهم في مجالاتهم، وهو نمط غالبا ما يتم تطبيقه في المشاريع الضخمة و التي تتطلب إمكانيات بشرية و فنية و إدارية عالية إضافة للإحترافية و تاريخ طويل من النجاحات، و نجد هذا النمط مطبق بشكل لافت في المشاريع الضخمة التي إما تملكها أو تديرها الدولة أو المشاريع التي تديرها مؤسسات دولية أو عابرة القارات.
من أكثر الأنماط المستخدمه من قبل الشركات المتوسطة و الصغيرة أو الناشئة هي تلك التي يمكن تسميتها بـ”الإقليمية” و هي تلك التي توزع كوادرها و إمكانياتها البشرية و الفنية في مكاتب متفرقة من أرض الوطن أو في دول إقليمية أو قريبة يتميز أبنائها بجودة العمل في مجالات معينة، كما نراه في مجال الإعلام و الذي نجد العديد من مؤسساته تفتتح مكاتب إقليمية مخصصة لها لأعمال الترجمة أو التصميم أو الصياغة، ففي ظل عالم يعتمد فيه التواصل على شبكة الإنترنت فإن الإستعانة بتلك الكوادر التي غالبا ما تكون تكلفتها منخفضة و متخصصة و ذات جودة عالية يجعل تسليم المتطلبات المحددة من قبل العميل أو صاحب العمل متوافقا مع الأسس الفنية و المالية المحددة و بالتالي يتم تحقيق المطلوب بأسهل و أرخص الأسعار.
نمط “الشبكة” غالبا ما يكون مصدر ممتاز للحصول على أعمال متخصصة دون الحاجة للسعي كثيرا، فهناك الكثير من الشبكات الدولية المتخصصة المنتشرة في مجالات أعمال معينة يتعاون فيها أطرافها عبر الإستعانة بإمكانيات بعضهم عبر التعاون في تنفيذ مشاريع معينة، و إن كان يتشابه هذا النمط مع نمط “التعاون من حيث الطريقة إلا أنه يختلف من حيث الآلية بإعتباره يعمل ضمن شبكة كبيرة و لكنها مغلقة من الشركات و في أسواق مختلفة و في مناطق جغرافية متباعدة، يكون التعاون فيما بينها بناء على أفضل العروض المقدمة من أطراف مختلفة تعمل في ذات السوق و الموقع الجغرافي المحدد و وفق الشروط المحدد من صاحب الطلب، فلا حصرية أو ضمان لأحد ضمن هذا النمط على إعتبار أنها شبكة كبيرة من المنافسين و الموردين.
و أخيرا نمط “الأفراد” وهو النمط الذي غالبا ما يتم الإستعانة به في المشاريع التي تتطلب إستشاريين متخصصين في مجالات معينة يعلمون في مؤسسات دولية أو أقليمية خاصة أو رسمية، حيث يتم التعاقد معهم بناء على ما يعرف عنهم من تميز و تمكن في ذلك المجال أو ذاك بهدف تقديم خدمات إستشارية أو إشرافية أو توجيهية لمشروع معين دون الحاجة لتوظيفهم بدوام كامل.
و لابد من الإنتباه في هذا النمط من الأعمال بأن لايكون هناك تضارب مصالح بين الإستعانة بذلك الإستشاري و ما بين صاحب العمل، فيجب أن لا يعمل ذلك الإستشاري مثلا في شركة منافسة أو كأن يعمل أساسا لدى صاحب العمل، فذلك من الناحية الأخلاقية يعد خروج و تجاوز غير مقبول قد يدخل في خانة الفساد أو التحايل أو الخروج على أسس المهنية و الإحترافية للتعاقد.
لا شك في أن أنماط شبكات الأعمال تبقى عالما واسعا من التجدد و التنوع و الإبتكار، لذا يصعب جدا تحديد كل الأنواع و الأشكال المطبقة، فهناك أنماط قد لا تتناسب مع طبيعة أسواق بعينها و قد لا تتوافق بعضها الآخر مع أسوق أخرى، إضافة إلى أن أنماط شبكات الأعمال لازالت تتكون و تتشكل مع تشكل و تطور الأسواق العالمية و الإنفتاح الذي تشهده الأسواق و الدول فيما بينها، إلا أنها من حيث البنى و الهدف تبقى مرتكزه على أساس التكامل و التعاون بين المؤسسات و الإستعانة بالإمكانيات و القدرات التي يوفرها السوق بمكوناته البشرية و المؤسساته، و من المؤكد أنه مع مرور الأيام ستظهر أنماط أخرى تتوافق مع متطلبات الأسواق العالمية و المحلية لعلنا نلتقي مجددا في حينه للحديث عنها و سبر أغوارها.

المصدر :
http://yassermedia.com/%D8%B4%D8%A8%D9%83%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%A3%D9%86%D9%85%D8%A7%D8%B7-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%84-%D9%81%D9%8A-%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D9%85%D8%AA%D8%BA/